عبدالهادي راجي المجالي
.. في طفولتي كنت غبياً قليلاً، كنت في العيد أحصل على كميات من (الشوكولاته).. كميات كبيرة, وأضعها في جيب بنطالي الجديد.. أقول في داخلي قبل التهامها يجب أن أستمتع بما جنيت، واضعها أمامي وأراقبها.. ثم أبلعها بهدوء وتلذذ..
المصيبة أني حين اصل الدار , ونتيجة للشمس والطواف على الأقارب.. أكتشف أنها ذابت في الجيب, وأكتشف أن البنطال الجديد قد اتسخ.. وأبدأ بالبكاء، ولا أعرف على من ألقي اللوم على الشمس التي ذوبت الشوكولاته أم على غبائي, أم على اشتياق طفل للحلوى وهذا الشغف الكبير بها..
أحياناً أكتشف أن الأنانية التي أتمتع بها كانت هي السبب، فهمي يكون منصباً على مناكفة أقراني وأولاد الجيران بما جنيت أكثر من التمتع بأكلها... وفي النهاية وأمام هذا الواقع والبكاء المتعب يتم ترضيتي (بكمشة قضامة) لقاء سكوتي وعدم ازعاجي للوالد لحظة نومه.
كل هذا الخراب الذي تنعم به أسناني الآن كان من (القضامة) التي أكلتها في طفولتي وكسرت لي بعضا من (طواحيني) وأطراف أسناني.. كان من أنانيتي الشديدة في إخفاء حبات الشوكولاتة التي لم أوفرها لمتعتي بل وفرتها لمناكفة رفاق الحي..
الرأي صحيفتي التي أحبها، وهي مثل الشوكولاتة.. خبأتها الدولة في جيبها (50) عاماً وهي تناكف المحيط والمعارضة، وتناكف كل الأصوات النشاز.. وكل متطاول على الدولة..
الرأي كان لها مذاق الشوكولاتة في فم الأردني حين يقرأها في الصباح, كان طعم المقال بها وطعم الخبر.. هو ما يحتاجه الأردني, في صباحاته المتعبة.. وها نحن اليوم أمام مشهد أشبه بتحطيم الأسنان في الفم, حين ترى تنازعا وصراعا على وسائل التواصل الاجتماعي حين ترى تهشيما لصورة البلد وقتلا للروح المعنوية, حين ترى إعلاما بديلا بدون وعي أو مضمون أو قيمة..
وفي النهاية ذابت الرأي في جيب الدولة, وتركوا لنا القضامة.. وها هي تكسر أسنانا كل يوم وتفتك باللسان..
من لا يعرف طعم الشوكولاتة، حتما لن يعرف مضامين وطعم الصحافة الورقية..
[email protected]